فتح الهجوم العسكري الّذي تقوده تركيا في الشمال السوري، ضد "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكرديّة، الباب أمام المحور المقابل الذي تقوده السعوديّة ويضمّ الإمارات العربيّة المتحدة ومصر، إلى إتخاذ مواقف لافتة، تستنكر فيها الخطوة التركيّة، على أساس أنها تستهدف دولة عربيّة شقيقة.
بالتزامن، أعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، أنه تقرّر عقد إجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجيّة العرب يوم السبت المقبل، بناء على طلب مصر وتأييد عدة دول، لبحث العدوان التركي على الأراضي السوريّة.
من وجهة نظر الكثيرين، هذا الموقف يمثل تحولاً على مستوى الأزمة السوريّة، نظراً إلى أن الدول العربيّة كانت شريكة في تدويلها بعد أن قررت تجميد عضوية سوريا في الجامعة، لا بل هي نفسها رضخت للضغوط الأميركيّة لفرملة الإندفاعة التي أظهرتها، قبل أشهر قليلة، نحو دمشق، إلا أنّ مصادر سياسيّة مطّلعة ترى، عبر "النشرة"، أن أساس موقف الدول العربية الثلاث، المذكورة في الأعلى، يعود إلى خسارتها أبرز أوراق قواتها، في حال نجحت أنقرة في السيطرة على منطقة شرق الفرات.
في هذا السياق، توضح المصادر نفسها أن هذه الدول، لا سيما السعودية، عملت، في الفترة السابقة، بعد إستعادة الجيش السوري معظم المناطق التي كانت قد وقعت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، على الإستثمار في الورقة الكرديّة، من خلال الزيارات التي كان يقوم بها إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها بشكل أساسي وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، والتي بدأت منذ العام 2017.
وتشير هذه المصادر نفسها إلى أن المحور الذي تقوده السعودية كان يعتقد أن هذه الورقة تسمح له بالإستثمار على عدة مستويات، الأول عبر إستخدام الأكراد خنجراً في الخاصرة التركيّة، في ظل الخلاف على الزعامة والنفوذ في العالم الإسلامي بين الرياض وأنقرة، والثاني عبر ضمان الحضور على طاولة المفاوضات السوريّة عند الوصول إلى مرحلة البحث عن الحلول السياسية، وتلفت إلى أن هذا المحور كان يسعى على هذا الصعيد إلى إسستثمار ورقة العشائر العربية.
من وجهة نظر المصادر السياسية المطلعة، هذا المحور سيكون من أبرز الخاسرين في حال نجاح الحملة العسكرية التركية في تحقيق أهدافها، نظراً إلى أن الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على مصالحها أو حضورها في الملف السوري بعدة أشكال، بينما هي لن تكون قادرة على فرض نفسها طالما أنها لا تملك الحضور الوازن على أرض الواقع، في حين أن أنقرة ستعزّز من دورها، خصوصاً أنها ستكون قد سيطرت على مساحة واسعة من الأراضي السورية.
بالتزامن، على المستوى الإقليمي لن تكون طهران متضررة من السيطرة التركية على شرق الفرات، نظراً إلى أن فرص تفاوضها مع أنقرة أكبر من فرص تفاوضها مع الرياض، لا سيما أنهما شريكان في مسار الأستانة الذي يضمهما إلى جانب موسكو، من دون تجاهل أن لديهما مصلحة مشتركة في منع قيام نموذج لكيان كردي مستقل، نظراً إلى أنهما يعانيان من أزمة مشابهة على المستوى الداخلي.
في ظل هذا الواقع، ترى المصادر نفسها أن لدى المحور السعودي-المصري-الإماراتي فرصة ذهبية، في حال أراد حفظ ماء وجهه، تبدأ من إجتماع الجامعة العربيّة يوم السبت، من خلال رفع قرار تجميد عضوية سوريا، ثم فتح قنوات التواصل معها، لمنع تركيا من تمديد نفوذها أكثر، وتشير إلى أنها قادرة على الذهاب بعيداً في هذه الخطوة، التي لن يعارضها أكراد سوريا، الذين يعتبرون أن أسوأ إتفاق مع دمشق أفضل من الإحتلال التركي.
في المحصلة، هامش المناورة لدى المحور الذي تقوده الرياض يضيق يوماً بعد آخر، خصوصاً على مستوى الأزمة السوريّة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ستتعامل مع التحوّلات الجديدة، لا سيّما أن صراعه الأساسي اليوم هو المحور الذي تقوده أنقرة؟.